إِلى مَتَى سَتَصْمُد الحَياةُ عَلى سَطحِ كَوكَبِ الأرض؟



عاجلاً أم آجلاً ستندَثر الحياة على سَطِح الأرض. ولكن كم تبقى لها بعد. وما هي العوامل التي ستؤدي لإنهاء مُختلفِ أشكال الحياة على سطح الكوكب.



في هذا الكون، كلُ شيءٍ إلى زوال؛ وهذا يشمل الحياة على سَطِحِ الأرض مهما طَالت. ولكن كم سَيَتَطَلَّب هذا مِن الوقت؟

تُشِيرُ السِّجلاتِ الأُحفورية إلى أنَّ الحياةَ على كوكبِ الأرضِ بدأت مُنذ ما لا يقلُ عن ثلاثِ مليارات سنةٍ ونصف نَجَت خِلالها مِن التَّجمد أثناء العَصر الجَلِيدي، ومن ارتِطام النيازك القادمة مِن الفَضَاء، كما نَجَت من التَّسَمُّم الكُلي على مُستوى الكوكب، وحَتى مِن الإشِعَاعَات المُميتة. هذا يدلُ بِوضُوحٍ أنه من الصَّعبِ إبادةُ أشكال الحياة المُختلِفة نهائياً. ولكن في الوقتِ ذاته تُوجد تَوَقُّعَاتٌ عَدِيدَة لكيفية اندثار الحياة على سطح الأرض ونهاية العالم. فأي تِلك التَوَقُّعات سَتُحيل الأرضَ خَراباً في النهاية؟!



البَرَاكِينُ تُنهي الحَياة عَلى الأرض
الحِقبَة الزَّمَنية: من الآن وحتى مئة مليون سنة تقريبًا.


حَدثَت أقرَبُ إبَادةٍ لمُختَلفِ أشكَال الحياة عَلى سَطحِ الأرضِ مُنذ مِئتين وخَمسٍ وعِشرينَ مليون سَنة؛ أثنَاءَ الانقراض الجَمَاعي -المُسَمَّى بالموتِ الأعَظم- الذي شَكَّل نهاية "العَصر البَرَمِي"، حيثُ انقرضت حَوالي 85% من أنواع الكائنات الحية على اليابسة، وقُرابة 95% من أنواع الأحياء البحرية.

لا أحد يَعرفُ بالتأكيد تَفاصيل ما حَدَث، ولكنَّ الأمرَ لم يَحدث صُدفةً؛ حَيثُ تَزامن ذَلك الانقراض الجمَاعِي مع حُدوثِ نَشاط بُركَاني هائِل على نَحوٍ كَارِثي. أمَّا اليوم فنحن قَلِقون بشأنِ القوةِ المُدمِرة للبَراكِين هَائلة الحجم كَبُركَان "يلوستون - Yellowstone"، ولكن أيًا مَا كان الدمار الذي ستُحدِثَه تِلك البَراكِينُ الهَائِلة فلا وَجْه للمُقارَنة بِما حَدَث في الماضي مُنذُ مِئتين وخَمس وعِشرينَ مليون سَنة.

بِالعَودةِ لِتلك الحِقبة، تَعرَّضت "سيبيريا" لِفترةٍ طَويلةٍ ومُتَصِلةٍ مِن الثَوَرَاتِ البُركَانِية، حَيثُ طَافَت الحِمَمُ البُركَاِنية فَغَطَّت رُقعةً تُعَادِل مِسَاحة المملكة المُتَحِدة ثَماَنِي مَرات. ويُعَدُّ النشاطُ البُركَانِي عَلى هَذا المُستَوى نَادِرَ الحُدُوثِ ولَكنَّه لَيسَ بِمُستَبعَد.
ذَكَرَ "هنريك سفنسن - مِن جامعة أوسلو بالنرويج": "أن لا أحَدَ يَعلَم تَحدِيدَاً مَتى سَيحَدثُ مثل هذا النشاطِ البُركَانِي مَرةً أُخرى"؛ فتَلك الثوراتُ البُركَانِية الهَائِلة حَدَثَت عِدَةَ مَراتٍ مُتفرِقة قَبلَ مِئتي مِليون سنةٍ وقَبلَ مِئة وثَمانين مِليون سنةٍ، كما حَدثَت مرة أخري قَبل خمس وستين مِليون سنة.  لِذلك فهِي ليست بالظَّاهِرة المُتِكرِّرَة، ولَكِن ما نَستطيع الجَزم به أنها سَتَحدُثُ مَرةً أخرَى في النِهاية، وحينها سَيكونُ السُؤال الأهَمُ هُو مِن أَينَ سَتَتَدفقُ الحِمَمُ؟

تُشِيرُ دِراسِة "سفنسن" إلى أنَّ قُدرَة مِثل تَلكَ الثَورات البُركَانِية الهَائِلة على إبادة مُختَلَفِ أنواع الكائنات الحية، تَعتَمِدُ عَلى مُوقِع اخِتِراقها لقِشرةِ الأرض. وَهَذا يُرجِّح فِكرَة أنَّ النَشَاط البُركَانِي الهَائِل، والذي حَدَثَ مُنذ مِئتين وخَمس وعِشرينَ مليون سَنة، لم يَكن السَبَب الرَئيسِي في ذِلك الانقِراض الجَماعِي، ورُبَما كان المِلحُ هو ذَاك القَاتِلُ الخَفي.

تُعدُ "سيبيريا" غَنِية برَواسِب المِلح التِي حَمَلَتها الحِمَمُ أثَناء النَشَاط البُركَانِي. حَيثُ َيعتَقِد "سفسن" أنَّ هَذَا أدَّى إلى إطلَاقِ كِمياتٍ ضَخمَة مِن المَواد الكِيماوية المُدَمرة لطبقة الأوزون في الغِلافِ الجَوي. لذا اضطُّرت أنواع الكَاِئنات الحَية المُختَلِفة للتأقلم مَع الإشعَاعَاتِ الضَارة القَادِمَة مَن الفَضَاء والتي عَادة مَا كَان يَمتَصُّها الغِلاف الجَوي. هَذا التَغييرُ كَان جَدِيرًا بِقتُل مُعظَم الكَائِناتِ الحَيَّة حِينِها.

وأكثرُ ما يُثِيرُ الفَزَعُ هو وُجودُ هذَا الكَم الهَائِل مِن الرَواسِب المِلحِية عَلى سَطحِ الأرض في عصرنا هَذا. يَقُول "سفنسن" إنَّ شَرق "سيبيريا" مَا يَزَالُ وَاحِداً مِن أكبَر مَكَامِن المِلح على الكرة الأرضية، كَمَا تُعدُ الحُدودُ البَحَرية للبَرازِيل أيضًا واحِدة من تِلكَ المَكَامِن الضَخمَة.

سَتنقَرضُ العَديدُ من أنواعِ الكَائِنات الحَية في حَالِة وُقُوعِ أحَد الثَوَراتُ البُركَانِية الهَائِلة بِالقُربِ مِن تِلك المَكَامِنِ الضَخمَة للمِلح، ولكِن حَتَّى وإن حَدَث هَذا، فإنها لَن تَمحو جَميعَ آثَارِ الحَياةِ عَلى وَجهِ الأرض.
وبِنِهاية الأمر، بَينَما أخفَقت النباتَات والحَيوانات في مُهِمتَها بِالصُمُودِ أمام هذا الانقراض الجَماعِي بِنهاية "العَصر البَرَمِي"، تَمَكنَت عِضِّيات أُحادية الخَليَّة كالبَكتِيريا مِن النَجاة بِدونِ أي خَسَائِر.


خَطَرُ الكُوَيكِبَات

الحِقبَة الزَّمَنية: خِلال أربَعُمَئة مِليونِ سَنةٍ تقريبًا.


لا يَخفَى على أحدٍ اليَومَ العَداوة التي تُكنُّها الدَينَاصُورات لتِك الكُويكِبَات العِملاقة. فَلو افتَرَضنَا أنَّ أحَدَ تِلكَ الكُويكِبات كَانَ له يَدٌ فِي انقراض الدَّينَاصُورات الضَخْمَة مِن عَلى سَطحِ الكَوكَب، فهل يُمكن أنْ يَتَسبَّب كُويكِب آخَر فِي إنهَاءِ الحَياة بِجَمِيع أشكَالها عَلى سَطح الأرض؟ فِي هَذه الحَالة أيضَاً قَد يتَبَايَن تَأثِير الاصطِدَامِ حَسَبَ مَسقَطِ ذَاك الكُويكِب. فَكَما نَعلَم أنَّ العَدِيدَ مِن الكُويكِباتِ العِملاقة اصطَدَمَت بِالأرضِ، وبِالكَادِ اِندَرَجت تحتَ مُسَمى "مُدمرات الحَياة".

فُوَّهَة "مانيكواجان" بكَنَدَا، واحِدَة مِن أكبر الفُوهَات النَاتِجة مِن تَصَادُم الكُويكِبَاتِ بِالأرض، والتي شُكِّلت نَتيجةً لِتَصادُمٍ مُدَمِّر مُنذُ مَا يَقرُبُ مِن مئتين وخمس عشرة مليون سنة مضت. ولكِن السِّجِلات الأحفُورية تُشِيرُ إلى أنَّ الدَّمارَ الذِي أحدَثه هذا التَصَادُم كان أقل بِكثِير مِن ذَاك الذي تَسبَبَ بانقِراضِ الدِينَاصُورات. ويُرجحُ أنَ يَكُون السَبب وَرَاء ذَلِك هو مَادة الكُويكِب البَلُّورِية الخَامِدَة نِسبيًا. على عكس لو كانت مادَتُه رُسُوبية مُتَطَايرة، حَيثُ يُمكنُ حِينَها أن تَنبَعِثَ كِمِّياتٍ هَائِلةٍ مِن الغَازَات القَادِرة عَلى تَغيير مُنَاخ الأرض ومُنذِرًا بانقراضٍ جَمَاعِي على مُستَوى الكَوكَب.
ولكن مَا يُمكِن أن يُعِيد الأمَل إلى نُفُوسِنا هو أنَّ تِلك الاصطِدَاماتُ المُدمِّرة كذلك الذي قَضَى على الدَّينَاصُوراتِ يُعَدُ نَادِر الحُدُوث، بِمُعَدل مَرة واحِدة كُلَّ نِصفِ مِليارِ سَنَة. وفي حالَة حُدُوثِ مِثل هذا الاصطِدَام فإن الانقِراضَ الجَمَاعِي لن يَتَفاقَم ليُنهي مُختلفِ أشكَال الحَيَاة على الأرض. إلا إذا ما اصطَدَم بِالأرضِ جِسمٌ أكبَر، كَكَوكِبٍ شاردٍ مَثَلاً.
يَعتَقِدُ العُلماءُ بأن الأرض صُدُمَت بِكَوكَبٍ شاردٍ مُباشرةً بعدَ تَكَوُّنِها. شَكَّل حُطامُ هَذا الاصطِدَامُ فِيما بَعد القَمَر التَابِع للأرض. فَكَما قَال "سفنسن": " يُمكِن أنْ نُطلِق عَلى ذَلِك "الفَرَضِية السَّودَاوِية" تَمَاشِياً مَع فِيلم "السَّودَاوِية - Melancholia‎" مِن إخرَاج "لارس فون تريس". عَلى كُلٍّ تُعد تِلك الاحتمالية بَعِيِدَة الحُدُوث.


تَجَمُّدُ نَواةِ الأرض
الحِقبَة الزَّمَنية: مِن ثلاثٍ لأربع ملياراتِ سَنة.

بِالحديثِ عَن الأفلامِ، نَتَذكرُ فيلم "نواة الأرض – The Core" والذي تَبدأ أحدَاثُه ِعندَما تَوقَّفتَ نَواة الأرض بِشكلٍ غَامض عَن الدوران، فَوَضَعت الحُكومة الأمرِيكية خُطةً للوصُولِ لِمَركز الأرض وتَدويرِ نَوَاتِها مِن جَديد؛ لأنه وبدون نواةٍ نَشِطة سَتَفقدُ الأرضَ مَجالها المِغنَاطِيسي وتـُهَددُ الحَياة على سَطحِها.

فِيلمُ "نواة الأرض" سَخيف إلى حَد كبير، وسَخر مِنه الكَثير مِن العَلماء؛ لكنْ ليس كَل ما يُقدمُه الفِيلم مِن علمٍ هو مَحضُ هُراء. يَعتقِد بعض البَاحثينَ أنَّ مَجال الأرض الِمغنَاطِيسي يُبعِد الجُسَيمات المُؤَيِّنة القادمة من الشمس، والتي بِدورها قد تُجرِّد الأرضَ مِن غِلافِها الجوي. وبفرضِ صِحة تلك الأبحاث؛ فإذا فَقَدَت الأرضُ مِجَالها الِمغنَاطِيسي، سِيتَلاشى غِلافها الجوي وتَنتهي بِذلك جميع أشكال الحياة عَليها.

لَرُبما حَدثَ شيء ممُاثل في كوكب المِريخ جعله أقلَّ قاَبلية لوجُود حياة مما كَان عليه في الماضي. حيثُ توصَّل "جوزيف كيرشفينك" مِن معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا بمدينة "باسادينا" مع زملائه عام ألفٍ وتسعمئة وسبعة وتسعين، إلى دَليلٍ عَلى أنَّ المِريخَ احتفظ بَمجَال مِغنَاطِيسي ثم فَقَده. ويقول "كيرشفينك": "انهَار مَجَال المِريخِ المِغنَاطِيسي مُنذ حَوالي ثَلاثَ مليارات وسَبعمئة مليون سنة ومُنذُ ذلك الحِين والكَوكب في حَالة تَجمُدٍ دائمة".

إذا كُنتَ مِمن سَمِعوا أنَّ مَجَال الأرضَ المِغنَاطِيسي يَضعُف، فلا تَقلق. فهذا لأنَّ المَجَال المِغنَاطِيسي في عَملية تَبدِيلٍ لأقطَابه، حيثُ تَكررت هَذه العملية بِشَكلٍ دَوري على مَدارِ مَلايين السِنين. ويُطمئِننا "ريتشرد هولم – من جامعة ليفربول بالمملكة المتحدة" قائلاً: إذا انْعَكسَ المَجَال المِغنَاطِيسي فلا يعني ذلك تَلاشِيه كُلياً، مُضيفاً أنَّ ذَلك قد يُؤدي لظهورِ بعضِ الشذُوذِ في سُلوكِه، إلا أنَّ ذَلك "لَن يُعطِّل مَسِيرة الحَيَاة".

أمَّا "ريتشرد هاريسون - من جامعة كيمبريدج بالمملكة المتحدة" فيُجِيبنا عَلى سُؤال "هل سَيختَفي مَجَال الأرض المِغنَاطِيسي في النِّهاية؟" قائلاً: "ليسَ في وقتٍ قريب"، ولحُدوث ذلك، يجبُ أن يتَصَلبَ لُبَّي نَواة الأرضِ كلياً، فاللبُ الداخلي حالياً هو جُزء النَواة الصُلب، أما الخارجي فمازال سَائلاً. ويُضيف "هاريسون": "يَتَمَدد اللبُ الدَّاخلي بمعدل مليمتر واحد لكل عام، بينما تَبلغُ سَماكة اللبِ الخارجي ألفين وثلاثمئة كيلومتر.


انبِعَاثَاتُ أشِعَّة جَامَا
الحِقبَة الزَّمَنية: هُناك نَجمٌ ثُنائي قَريب يُسمى"WR 104" قد يتسَبب في انبِعَاث لأشِعَة جَامَا خِلال نَصف مِليار سَنة، إلا أنَّه قد لا يُصِيب الأرض.
                                                                     
هَل نَحنُ وَحدَنا في الكون؟ إنْ لَم نَكُن كَذلك، فَلِمَ لَمْ نتَواصَل مع حَضاَراتٍ أخُرى؟

يُوجد مُدَمِّر آخر للحَياة لنُلقي بِاللوم عليه؛ إنَّها َموجَات الإشِعَاع القَوية المُسَماة بانبِعَاثَاتِ أشِعَّة جَامَا. تَنتُج تِلك الانبِعَاثَات مِن الانفِجَارات العَنيفة في الفضاء، فمثلاً عِندما ينفَجِر نَجمُ عِملاق أو يَصطَدمُ نَجمان بِبَعضِهما، تَنبَعثُ الأشِعَّة لجزء من الثَانية أو حَتى لعِدة دَقائِق. نَظرِياً، عِندَما تَنبَعِث أشِعَّة جَامَا لمُدة طَويَلة قد تُجرَّد الأرضَ من طَبقة الأوزون مُعرضةً الحياة عَلى سَطحِها للأشَعَّة فَوق البَنَفسَجية المُمِيتة الصَادرة من الشمس.

ووفقاً لدراسة نُشِرت عام ألفين وأربَعة عَشر على يد "راؤول خيمينيز" من جامعة برشلونة و "تسافي بيران" من الجَامِعة العِبرية بإسرَائيل، فإنَّ مِن المحتمل أنْ تكونَ الحياة قدِ استَحَالت في مناطق عِدة مِن الكون بسبب الانبِعاثاتِ المُتكررة لأشِعَّة جَامَا، ولكن الوَضع مُطمِئن في الجِوار، فَتِلك الانبِعَاثَات تحدُث بشَكل أكبر ِبالقُربِ مِن مَركز المجَرة أو في المناطِق المُكتَظة بالنجوم، والأرض بَعيدة عَن كِليهما.

يَقُول "خيمينيز": "يَرجِع الفَضَلَ في وُجودِ حَياة عَلى الأرضِ إلى أنَّ كَوكبنا آمنٌ نِسبِياً مِن الانبِعَاثَات الطَويلة والمُدَمِرة لأشِعَّة جَامَا، والتي سَتَتَسبَّبُ في اندِثَارٍ كَامل"، وأضَافَ: "إذا مَا كَانت الأرض أقربَ إلى مَركز المجرة لما وُجِدَت حياةٌ مِن الأسَاس"، فلرُبما تَعَرضت الأرضَ لانبِعَاثَات أشِعَّة جَامَا عَلى فَترات مُتَبَاعِدة، وقَد تُوجد أدِلة حَفرِية عَلى ذَلك. فَمُنذ حَوَالي أربَعمئة وأربَعين مِليون سَنة انقَرَضَت أنوَاع كَثيرة مِن الكَائنات الحية فِي َفترة "الانقراض الأوردوفيشي" والذي يَظُن بَعض العُلماء أنَّ الانبعَاثَات كَانت سَبَباً في حُدُوثه.

حَتى لو كَانت هَذه حَقِيقة، فَلم تَقترَب تَلك الانبِعَاثَات كِفايةً لتَقضِي عَلى كِل شيء؛ وظَلت تِلك الانبِعَاثَات المُمِيتة تُحذِرُنا مَرة تِلو الأخُرى أنَّ بِإمكَانها مَحو الحَياة مِن عَلى وجه الأرض، ولكن مِن غَير المحتمل أنْ تُشَكِّل أيٌ مِن مَصادر الانبَعَاثِ القَريبة أي تَهديدٍ يُذكر.

وممَّا يبعثُ الأمَلَ فِي النُفُوسِ أنَّ مُعدل حُدوث الانبِعَاثات يَتَراجع، وتُشِير أرقام اسْتَنتَجَها "جيمس أنيس" بمُختَبر "فيرمي لاب" بمدينة "باتافيا بولاية إيلينوي"، إلى أنَّ مُتَوسط الانبِعَاثَات في المجرة سَيُصبِح مِن خَمسة إلى خَمسِين انبَعَاث لكل مِليار سَنة، وبما أنَّ دَربَ التَبانة مَجرةٌ كَبيرة، فَفُرصُ وُصُول أي مِن هذه الانبِعَاثَات للأرضِ ضَئيلة.

ويَظُن "جيمس أنيس" أنَّه حَتى لو أصَابَ الأرضَ انبَعَاثُ قَوي فمن شِبه المُستَحيل أنْ تُمحَى كُل أشكَال الحياة عَلى الأرض لأنَّ مِياه البَحر تُعتَبر وَاقيًا مُمتازًا ضِد الاشعَاع. ويُضِيف: "أنَّه مِن الصَعبِ جَداً التَصدِيقُ بأنْ تَقضِي تِلك الانبِعَاثات عَلى جَميعِ الأحياءِ البَحَرية؛ فلا أعَتَقِد أنَّ بِإمَكانِها إبَادة كل مَا في المُحيط، وأمَيلُ أكثَر إلى أنَّ انبِعَاثَات أشِعَّة جَامَا قَد تَقضي علَى كُل كَائنات اليَابِسة ولربما أغَلبِية الأحَياء قُربَ سَطح البحر، فيما قد يُعتَبَرُ إعَادة ضَبطٍ لسَاعة التطور لما قَبل استِعمارِ اليَابِسة".

بِالطبعِ سَتَندثِرُ حَياة البَشَر نَتيجةً لذَلك، ولكن سَتَنجو أشكِالً أخُرى مِن الحياة.



النُّجُومُ الشَّارِدَة
الحِقبَة الزَّمَنية: خِلال المِليون سَنة القادِمة.

لِمِلياراتِ السِنين وكواكب نِظَامَنا الشَمسي تَتَناَغم فِي رَقصةٍ مَهِيبةٍ حَولَ الشَمس. فَماذا سَوف يَحدُثُ إذَا اصطَفَ نَجمٌ آخر في هَذه الَمجمُوعة الشَمسِية؟ تَبدُو هَذه فِكرةً مِن نَسجِ الخَيال، ولكن في شَهر فِبراير مِن عَام ألفين وخَمسة عَشر، أعلَنَت مَجمُوعة عَلماء يَتَرَأسُهُم "إيريك مامجيك" مِن جَامعة "روتشستر بمدينة نيويورك" أنَّ هَذا حَدثَ بالِفعل مُؤخَّراً.

فمُنذُ سَبعِين ألفَ سَنة بالتَحدِيد، وعِندَما تَرك جِنسُنا القَارة الإفِريقية، تجوَّل نَجمٌ قَزَم أحمَر صَغِير يُسمَّى "شولتس" بحَوافِ نَظامنا الشَمسي مَارَّاً بمنطِقة تُدعَى "سحابة أورت"؛ وهِي عِبارة عَن تجمُّعَات مُتفَرقة مِن بَلورَاتٍ ثَلجِية صَغيرة تَقَعُ فِيما وَراء الكواكب.

ولَم يَكن هَذا النَجمُ الشَاردُ هُو الأوَل مِن نَوعه الذي يَمُر بَنظامَنا الشَمسي ولن يَكونَ الأخير. حَيثُ رَصدَ عُلماء الفَلكِ عِدة نجومٍ أخُرى سَيتَقَاطُع مَسارِها مَع النظامِ الشمسي خِلال المِليون سَنة القادمة.

كما سَلَّطَ عَالم الفلك "كوريان بيلير جونز" مِن مَعهد "ماكس بلانك" لعُلوم الفَلك في "هايدلبرج" عام ألفين وخمسة عشر الضَّوءَ عَلى نَجمَين قَد يُشكلانِ مُعضِلة؛ فالنَجمُ الأول "هيب 85605" الذي يُتوَقَّع وُصُوله فِيما بَين مئتين وأربَعين ألف إلى أربعمئة وسَبعين ألف سَنة. بَينما سَيصِل "جي إل 710" بَعَد قُرابة مِليونِ وثَلاثمئة ألف سنة. ويُوَضح "مامجيك" أن النجم "جي إل 710" أكبر نِسبياً مِن النَجم "شولتس"، ولكنِه سَيَصل لنُقطة أبَعَد مِنه. وحَتى لو حَدثَ ذَلك، فَهل سَيهدِّدُ أحَدهُما مَسيرة الحَياة عَلى سَطحِ الأرض؟

والإجابة باختِصَار هي: "لا". حَيثُ يُوضِح "بيلير جونز" "أنَّ الاضطِرابَات النَجمِية التي قد تَحدثُ في "سحابة أورت"، لا تَعنِي بالضَرورة دَمارَ الأرض". فكِلا النَجمَين يَستَطِيعان أنْ يَدفَعا ببعضِ الأجسَام الصَغِيرة مِن "سحابة أورت" نَحو مَسَارٍ تَصادُمي مَع كوكب الأرض؛ ولكن كَما ذُكِر مَن قَبل فحَتى إذَا اصطَدَم أيٌ مِن تِلك الأجسام بكوكبنا فَلن تَنتهي الحَياة عليه.

نَظَرياً، مِن المُمكِن أنْ تَتَعقد الأمُور إذَا تَحول نَجمٌ شَاردٌ كَبيرٌ إلى نَجمٍ مُستَعِرٍ أثَناء مُرورهِ "بسحابة أورت" بَاعثاً بِأشِعَّة جَامَا إلى أعَماقِ نِظامَنا الشَمسِي. ويُضيفُ "بيلير جونز" " كُلما اقتَربَ النَجمُ المُستَعِر، كَلما زَادت حِدة الإشعَاعِ المُؤَّيِن. فكلما اقتَرب بِمقدَار ضِعفٍ، زادت حِدة إشعَاعهِ عَشَرَة أضعَاف. وهَذا ما قد يَكونُ قَوياً كِفاية لإحدَاثِ ضَررٍ بَالغ، ولكنَّ فُرص حُدوثِ ذَلك ضِئِيلة.

ويُمكنُ أنْ يُصبَح النَّجمُ الشَاردُ أشدَّ خُطورة إذا ما مَرَّ بأعمَاقِ نِظَامَنا الشَمسِي حَيثُ مَداراتُ الكَواكِب.  وهَذا أيضاً أمرٌ مُستَبعَدُ الحُدُوث. ويقول "بيلير جونز" نَحن لا نَعلم نَجماً إلا ونِسَب دُخُوله إلى أعَماقِ النَظامِ الشمسي ضَئيلة جِداً. فالأرض لا تُعتَبَر هَدفاً وَاضحاً نَظراً لصِغَر حجمها، حَيث إنَّ المَسَافة بين الأرض والشمس أقصَر بخمسين ألف مَرة مِن المسافة بينها وبين "سحابة أورت".

يَستَطيعُ العُلماءُ تَوقع عَدد لا نهائي مِن مُهددات الحياة عَلى الأرض. فشَهر فِبراير المَاضي كان مَليئًا بتَنبُّؤاتٍ جَليَّة لنِهاية العَالم؛ حَيثُ تُحذرنا دِراسة أخرى مِن "المادة المظلمة" في مَجَرتنا. ولكن "مامجيك" يُطمئِننا مُشيراً إلى أنَّ مَعرِفَتنا بتِلك المَادة ليست كَافية "نَحن لا نعلم ماهيَّة تِلك المادة المُظلمة، وما إذَا كانت تَحترقُ لتُولِّد الطاقة وكَيف قَد يَحدثُ ذَلك؟

يتبَين لنَا في النهاية، أنَّ الرِسالة التي يُراد إيصالها فِي هَذا البحث هي أنَّه لا يُوجد تهَديد كَارثي مِن خاَرج نظامنا الشَمسي يَستَطِيع أن يَمحو جمَيع أشَكالِ الحَياة عَلى وجه الأرض خِلال المليار سَنة القَادمة. ويُضيف "مامجيك": "بِالتأكيدِ تُوجد عَضيات تستطيع النجاة مِن أي كَارثة يُمكن أن نتَخَيل حُدُوثها على الأرض".


الحَياة نَفسُها هي التهدِيدُ الأكبَر
الحِقبَة الزَّمَنية: خَمسمئة مِليون سنة.
  
هُناك عَامل واحدٌ ذُو قُدرةٍ تدميريةٍ هَائلة تُمكِّنه مِن القضَاءِ عَلى حياة قِطاعٍ كبيرٍ مِن الكائنات الحيَّة حَيثُ يَرى "بيتر وارد" مِن "جامعة واشنطن في سياتل" أنَّ أكثر ما يُهدد الحَياة يَأتي من دَاخلها، ويُطلِقُ عَلى هذه الفِكرة "فَرَضِية ميديا - Medea hypothesis" في إشَارةٍ "لفَرَضِية جايا - Gaia hypothesis" الشَهيرة، و"جايا" هو اسم لإلهة الأرض عِند الإغرِيق، وطِبقًا لهذه النَظَرية فإنَّ الحَياة تُبقِي الأرضَ مَكانًا صَالحًا للعَيشِ. وعلى النقيضِ مِن ذلك "ميديا" وهي شَخِصية أسُطورية إغريقية مَشهورة بقتلِها لأبنَائها، ومِن هَذا المُنطَلق يَرى "وارد" أنَّ سَببَ العَديدِ من حَوادث الانقراض الجَماعي في تاريخِ الأرض هُو الحياةُ نَفسُها.

فَعَلى سَبيل المِثال ومُنذ قِرابة مِليارين وثلاثمئة مليون سَنة، أُطلِقت كميات كَبيرة مِن الأوكسجين في الغلافِ الجَوي نتيجة للأشكَال الجَديدة للتمثِيل الضوئي، مِما نَتَج عَنه وُجود أوكسِجين خَام لم يكن مَوجودًا مِن قبل؛ فتَبِعَ ذِلك انقراضٌ جَماعِي للمَيكروبات نَتيجةً لعَدَم قُدرتها عَلى التَّأقلم مَع ذلك الوضع الجديد.

تَلا ذَلك ظُهور النَباتاتِ لأولِ مرة مُنذُ مَا يَقربُ مِن أربعمئة وخمسين مِليون سنة، حيثُ حَوَّل النَبات الصَّخْر إلى تربة؛ ممَّا سَرَّع التفاعل الكيميائي بينَ المعَادنِ الموجودة في الصَخرِ وغَاز ثَاني أكسيد الكربون في الغِلافِ الجَوي، فَجُرِّدَ الغِلافُ الجوَّي من ثاني أكسيد الكربون ونَتَج عَن ذَلك انخِفاض دَرجة حَرارة الأرض مَا أنذَر بِبدء عَصرٍ جَليديٍ مُمِيت.

وبنَظرةٍ سَريعة لمُستقبلِ الأرض البَعيد، يقول "وارد" إنَّ هَذه التَأثيرات قَد تُنهي الحياة على الأرض، فالشَمسُ تَزدادُ حَرارةً كلما تَقدمتَ في العُمر؛ ونَتِيجة لذلك سَترتَفِع دَرجة حَرارة الأرض، وهَذا يَعني تَسريعًا للتَفاعل الكيميائي بَين الصُخُور وغَاز ثَاني أكسيد الكربون فِي الجو، وسَيزِيد سُرعَة هَذه العَملية تَفاعُل النَباتِ مَعها.

وفِي النِهاية فِإن الكِميات الكَبيرة مِن ثاني أكسيد الكربون سَتختفي مِن الهواء، وسَيترتب عَلى َذلك عَدم قُدرة النَبَات على أداءِ عملية البَنَاء الضَوئي، وسَتكُون المُحصِّلة مَوت كل النباتات، وكَذلك الحَيوانات. ويُضيف "وارد" أنَّ هَذا قَد يَحدثُ بشَكلٍ مُذهِل فيما يُقارِب النَصف مِليار سَنةٍ القَادِمة.

وقد تَبْقَى بَعض الميكروبات حيَّة، ولكن في حَالة ضَعفٍ شَديد، ويَصِف "وارد" ذلك قائلاً: "عِندما ينخَفض عَدد الميكروبات بشكل حَاد، ومع عَدم وُجود نِظام بِيئي قَوي فإن أي تَغيُّرٍ سَيَنتُج عَنه هَلاك تام لتِلك المَيكروبات".

ويُوضِّح "وارد" فيقول: تمامًا كما في رِواية أجَاثا كريستي "جريمة قتل في قطار الشرق السريع" -الجمُلة القادمة تُفصِحُ عمَّا ستؤول إليه أحداث الرواية- فسَيَتَعَدَدُ القَتَلة مُرتكبين جَريمتهم في نَفسِ الوقتِ تقريباً، لتَدمير كلِّ أشكال الحياة عَلى وجه الأرض. "قد تكون تِلك العَوامل المُدمرة تَصادماتٍ ضَخمةٍ، أو نجمًا مستعرًا أعظمًا قريبًا منَّا، أو حتى تجمدًا لنَواة الأرض، ولا يستطيع عَامل من هؤلاء منفردًا أن يُدَمِر الأرض". ولكن إذا مَا ارتطم بالأرض جِسمٌ صَخري ضخم، أو أصابتها أشعة جاما، عِقب أن تُنهِي الحياة نفسَها بِنَفسِها فَقد يتبَع ذلك هَلاكُ عَلى نِطاق كبير.

وبَعد كُلِّ ما ذُكِر فإن بإمكان المختصِّين بِعلوم المخلوقات الفضائية التنَبؤ بأن للحياة نَفسُها دور في اندِثَارها.


الشَّمسُ المُتمدِّدة
الحِقبَة الزَّمَنية: ما بين مليار وسبعِ مليارات عام ونِصْف.

ولو أنَّ شيئًا مِن كلِ ما سَبق لم يُنهِ الحياة فإنَّ الشمسَ نجمُنا الرئيسي الذي يُمدِّنا بالضوءِ والطاقةِ اللازمين للعيش لن يَستَمر في عَطائه وسَيُنهِي الحَياة بنَفسه، فكما مرَّ بِنَا فإنَّ حَرارة الشمسِ في زِيادة مُستَمرة؛ وسَتصِل لدرجة تُبخِّر بها كُل مِياه المحِيطات وتُفسِد النِّظام الذي يَسمحُ بنَفاذ الحَرارة الزائدة إلى الأعلى. وهَذا سَيبدأ بالحُدُوث في حَوالي مليار عام، مما سيُبِيد كُلَّ شيءٍ إلا أكثر الكائنات المِجهرية مَقاوَمة.

وليسَ هَذا كُل شيء، فبَعد خَمسة مِلياراتِ عام مِن الآن سَتَتَمدد الشُمس حَتى تتحول لنَجمٍ ضَخم يُدعَى العِملاقَ الأحمَر، وبَعد ذلك بملياريَّ سَنة ونصف، سَيصِل سَطح الشمس إلى مَدار الأرض الحالي، مما يَعني أنَّ الشَّمسَ ستَبتَلِع الأرض وتُدَمِّرها.

ويَفترِض البعضُ أنَّ بإمكانِ الأرض النَجاة مِن هَذا المصير، حَيثُ سَتفقد الشمسُ كُتلتها كُلما تَضَخَّمَت، مِمَّا سَيسمَح للأرضِ بالاستِدارة حَولها، ولكن هَذه الحسَابات التي أُجرِيت عام ألفين وثمانية تُشِير إلى أنه لا يُعوَّل على هَذا الحل لنَجاة الأرض.

وإذا مَا كان هَذا صحيحاً فالأمَلُ الوحِيد لنا أن يَمتلِك البشر حِينئذٍ تِقنِية مُتقَدِّمة تُمكِّنهم مِن تَحريكِ الأرضِ لمكانٍ أأمن، وخلاف ذَلك فِإن أقصَى عُمر مُتوقع للأرضِ هو سَبعة مِليارات عَام ونصف.
  
للكاتب: Colin Barras

ترجمة:
1- أسامة إسماعيل عبد العليم.
2- محمد أحمد العشيري .
3- حسين وحيد محمد.
4- أيمن عزت عبد الله محمد.

مراجعة وتدقيق:
الدكتور/ أحمد العِزبي.