هل استُلهِم مسلسل (صراع العروش) من حقائق تاريخية؟


ها هو الشتاء يجثو على صدر (ويستروس)، تلك المملكة الخيالية التي صورتها لنا شبكة (إتش بي أو) بدقة مُتناهية على الشاشة الصغيرة في مسلسلها الخيالي (صراع العروش)، المبني على روايات الكاتب (جورج أر أر مارتن).
يعلم متابعو المسلسل أن صيف (ويستروس) الطويل شارف على الانتهاء، وأن برد الشتاء سيوقظ الشر المستكين، حاملًا معه الاضطراب (لويستروس). وسنكتشف في هذا المقال شخصياتٍ وأماكنَ وأشياءٍ وأفكارٍ حقيقية ألهمت (مارتن) ليُشكل عالمه الخيالي، ويضفي عليه تفاصيلًا دقيقة.
استوحيت هذه القائمة من مقال نُشر في الأصل على مدونة الموسوعة البريطانية.

الحكم الإقطاعي:
كالدول التابعة والإقطاعات، تُحكَم (ويستروس) بنظام إقطاعي يترأسه ملكٌ يحكم الممالك السبع من العاصمة (كينجزلاندنج). ومن بين إقطاعات (ويستروس): (مملكة الشمال) التي تحكمها عائلة (ستارك)، ومنطقة (ويسترلادنز) التي يحكمها (اللانسترز)، والذين تزوجوا من عائلة (براثيون) الملكية. أما ملوك الإقطاعات فهم ولاة يحكمون بأمر ثُلَّة من النبلاء وعبيدهم، ويعرَفونَ في المسلسل باسم (حاملي الرايات)؛ إلا أن حكم الولاة يعرقله قرون دامية واستياء عام يسري في الإقطاعات، لأن هذه الإقطاعات كانت ذات يوم ممالك مستقلة.
كان نظام الحكم الإقطاعي هو النظام السائد في غرب أوروبا بين القرنين الخامس والقرن الثاني عشر، مُخلفًا توثيقًا تاريخيًا جمَّا استغله (مارتن) ليحيك خطوط قصته.

الوصاية:
بعد وفاة الملك (روبرت براثيون) في الموسم الأول من المسلسل، خلفه "ابنه" (جوفري) في الجلوس على العرش، وحاولت والدته (سيرسي) الوصية على العرش أن تحكم باسمه. تشبه شخصية (سيرسي) شخصية (كاثرين دي ميديشي، وصية عرش فرنسا أثناء القرن السادس عشر)، إحدى أشهر الواصيات على مر التاريخ. بدأت كلٌ من (سيرسي) و(كاثرين) وصايتيهما أثناء نشوب حرب أهلية، فأخذت (كاثرين) على يد ابنها وعلمته أسس الحكم؛ أما (سيرسي) فظلت تكافح كي يظل ابنها (جوفري) المتوحش ذو الميول السادية تحت سيطرتها. ويقول مستشار (سيرسي) المسمى (بالخنصر) عنها أنها تريد القوة، وليس لديها أي تصور عما ستفعل عند امتلاكها.

مسؤول التجسس:
تتشابه ملامح شخصية الوزير (فاريس) مع شخصية (فرانسيس والسينجهام)، مسؤول التجسس الطاغي في عهد الملكة إليزابيث الأولى. اشتهر (والسينجهام) باسم (سيد الهامسين) وكان يجمع المعلومات من شبكة واسعة من الجواسيس والوشاة، ليستغلها في ابتزاز واستغلال أي شخص قد يحتاج إلى خدماته، سواءً كان من العوام أو حتى من أفراد العائلة الملكية. ادعى كل منهما أن ما يدبران من مكائد تصب في الأخير في مصلحة المملكة، فسعيهما نحو إيجاد حلول لمشاكل المملكةالاسكتلندية أو التارجيرية يُثبت أنهما يناضلان فعلًا من أجل الاستقرار السياسي للمملكة.

أمين الخزانة:
(بيتر بايلش) أو (الخنصر) سيد مال (ويستروس) وأمين خزانتها، ولورد (هارينهال) لاحقًا. يمتد نفوذه السياسي فيما وراء الإحصاء والعد، ولطالما تلاعب بحذق بشخصيات ذات سلطة إسمية في البلاد؛ بدءًا من (إدارد ستارك) الساذج وعائلته، مرورًا (بفاريس) المستشار ومسؤول التجسس ، وانتهاءً بأفراد عائلة (لانستر) ذوي النفوذ والفراسة؛ ساعيًا وراء تأمين مناصبه وأملاكه.
مرة أخرى، نجد شخصية (بايلش) تتشابه مع شخصية (وليام سيسيل)، مستشار الملكة (إليزابيث الأولى)؛ فكليهما من أصول متواضعة، وتدرجا في مناصب الحكم بفضل نصائحهما الدقيقة والسليمة. لكن (سيسيل) كان أمينًا، على عكس (الخنصر)، الذي لم يتوان في استغلال أي فرصة تتراءى له، حتى ولو خان فيها ولاة أمره.

أهل البادية:
تتزوج (دينيريس)، الملقبة بأم التنانين، زعيم قبيلة (الدوثراكي)؛ وهي قبيلة تعيش حياة ذات طابع بدوي تتمركز حول الخيل كوسيلة للتنقل ومصدر للطعام والإلهام الديني. يُذَكرنا مجتمع (الدوثراكي) بالمغول، وهم جماعة عِرقية يعيش أكثرهم في إقليم منغوليا ذاتي الحكم بالصين. تُعرِّف الموسوعة البريطانية المغول بأنهم رُعاة مُترحلون، احترفوا الفروسية وارتحلوا بقطعان الماشية والخراف والماعز والخيل نحو المراعي الشاسعة بسهول آسيا الوسطى. وقبلية (الدوثراكي) في (صراع العروش) أقرب للمغول القدامى المحاربين، الذين أسسوا إمبراطورية امتدت من الصين حتى غربي روسيا تحت حكم قائدهم الشهير (جنكيز خان)، وجمعوا إلى ذلك ثقافة تتشابه في بعض عناصرها مع ثقافة الهنود الحمر، لا سيما أسلوب حكمهم اللامركزي.

إتيان المحارم:
لم يحول تحريم إتيان المحارم في (ويستروس) بين (سيرسي) وأخيها (جايمي لانستر) وبين اقتراف ذلك الإثم الذي أسفر عن ثلاثة أطفال، ما لبثوا حتى وافتهم المنية مثلما لحقت بروبرت، زوج (سيرسي) المتوفى. وأُجبِرَت (سيرسي) وأخيها على إخفاء حبهما المُحرم. لا تتسم جميع الثقافات بالحياء، حيث تُفضل سلالة (التارجيرين)، التي تنتسب إليهم (دينيريس)، زواج المحارم على أي زواج آخر.
أما في التاريخ الحقيقي، وتحديدًا في مصر القديمة، تزوجت (أرسينوي الثانية) من أخيها (بطليموس الثاني) وحكما مصر معًا، في سابقة تاريخية لزواج الإخوة. وعُرِف الزوجان باسم (فيلاديلفوي)، أو الأخوين العاشقين. كانت هذه العادة موجودة بالفعل في مصر قبل دخول الإغريق، وربما فعل الأخوين ذلك كنوع من دمج الثقافة المصرية في ثقافتيهما.

حراسة الحدود:
يحرس العسس -أو الحراس الليليين- (الجدار)، وهو حصن ضخم يفصل (ويستروس) عن أراضي الهمج الشمالية النائية. يستوي (الجدار) مع (سور الصين العظيم) من حيث الهدف من إنشاءه، ذلك السور الذي شُيِّد خلال حكم سلالات حاكمة صينية متعددة لصد غارات الغزاة البدويين. واستلهَمَ (مارتن) تصميم (الجدار) من (سور هاردين) الذي بناه الروم في بريطانيا لتحصين مستوطناتهم.
لكن (الجدار) في (صراع العروش) مُختلف، فهو جدار سحري من الجليد؛ لكنهما يتشابهان في عدم إثبات أي فاعلية تستحق الذكر، فكليهما اختُرِقا في مواقف عديدة؛ بيد أن جيشًا من الجثث المُتجمدة لا يُقارن بجيش من البشر الطبيعيين.

التسليح:
يُدرِك أهل (ويستروس) قيمة السيف وأهمية تعلم فنون المبارزة، وكيف يمكن للسيف أن ينقذك، أو يودي بحياتك. لذا، فأغلب رجال (ويستروس) يتقنون استخدامه ويقدرون قيمته؛ فلدينا (نيد) وسيفه الضخم ذو الحدين و(جون سنو) وسيفه البراق المُهدى إليه من قائده. تستخدم بعض النساء الأسلحة؛ مثل (بيريين أوف تارث) البارعة في استخدام السيف، شأنها شأن نساء عشيرة (مورمونت)، وهي من تغلبت على الفارس (لوراس) في مبارزة دارت بينهما. وأخيرًا (أريا ستارك)، الابنة الصغرى (لنيد ستارك)، والتي تعلمت المبارزة بالسيف أثناء هروبها من مدينة (كينجزلاندينج)، وهي صاحبة الجملة الشهيرة: «اقضِ عليهم برأس سيفك الحاد».
للسيف أشكال وأحجام عدة، وتُعرِّفه الموسوعة البريطانية أنه سلاح يدوي بَرَز لفترات طويلة على مر التاريخ.

التعذيب:
وفقًا لتعريف الموسوعة البريطانية، التعذيب هو تعمد إيقاع ألم أو ضرر نفسي أو جسدي لغرض معين، كاستخراج معلومات أو إكراهٍ على الاعتراف أو توقيع عقوبة. لم يتوقف التعذيب يومًا في (ويستروس) إذا جاز التعبير، وقد لاقت إحدى حلقات المسلسل تعليقات لاذعة على موقع (تويتر) عقب مشهد تعذيب وحشي يُجبَر فيه فأر على قَرض بطن ضحية، ومشهد إخصاء مشين آخر حَبَس أنفاس المشاهدين. ولا شك أن شبكة (إتش بي أو) ستُصور مشاهد تعذيب وحشية واستثنائية استنادًا على الرواية.
تعود سِجلات التعذيب إلى مصر واليونان القديمتين، إلا أن مُعظم الدول ألغت التعذيب ولو ظاهريًا قبل بدايات القرن العشرين.

الإعدام:
يجُزُّ (نيد ستارك) عنق أحد أفراد العسس في الحلقة الأولى من المسلسل، ثم تدور عليه الدوائر وتُقطع رأسه في الحلقة ما قبل الأخيرة من الموسم الأول بأمر الملك (جوفري). يُعتبر الإعدام في (ويستروس) حُكمًا عادلًا وكافيًا على العصاة والخونة، حتى لو لم يُحاكم المُتهم؛ ففي الموسم ذاته، يَصُب (كال دراجو) ذهبًا مصهورًا على رأس صِهره (فيسيريس) ليقضي عليه.
قدَّست شرائع أغلب المجتمعات مذهب القصاص منذ شريعة (حمورابي)، لكن أخلاقية إعدام المجرمين من عدمها لازالت محل جدل.

التنانين:
ساد اعتقاد أن التنانين انقرضت لمدة تزيد على القرن، حتى فقست (دينيريس تارجيريان) ثلاث بيضات في مشهد حريق سحري مهيب في الحلقة الأخيرة من الموسم الأول؛ وليس ذلك بالأمر الغريب، فأفراد عائلة (تارجيريان) اشتهرت بامتطائها ظهور التنانين لقرون. تباينت سمعة التنانين بين الشعوب على مر التاريخ، فالصينيون احترموا التنانين ووضعوها في مكانة خاصة واتخذوها شعارًا للعائلة المالكة؛ أما المصريون والإغريق والروم فكانوا يخشونهم ويستعيذون من شرورهم، واستمر هذا المفهوم في العصور اليهودية-المسيحية، حيث أضحى التنين رمزًا للخطيئة.

الغِدفان:
الغُداف هو أحد فصائل الغربان ووسيلة التواصل المُفضلة في (ويستروس)، تمامًا كالحمام الزاجل؛ وبكل قلعة مُعلم يُدير تحركات الغِدفان. لا يُذكر أي استخدام مشابه للغربان في تاريخنا، إلا أنهم مشهورون بذكائهم الحاد وقدرتهم على التعلم عن طريق المحاكاة.

الذئاب الرهيبة:
عَثَر أبناء (نيد ستارك) في بداية المسلسل على جثة ذئبة وتبنوا جِراءها الأيتام، فاتخذوهم رفقاء ثم مدافعين عن أفراد آل ستارك، لا سيما (براندون ستارك) الذي يسكن جسد ِذئبَهُ ويتحكم به بفضل قدرته على الولوج لأجساد الحيوانات والتحكم فيها، خاصة بعدما أضحى قعيدًا جراءَ سقوطه من ارتفاع عالِ.
لم تكن الذئاب الرهيبة بنفس الضخامة التي تظهر بها في المسلسل، لكنها أكبر حجمًا من الذئاب الرمادية المُعاصرة؛ فالذئاب الرهيبة انقرضت منذ زمن، وهي إحدى أشهر حيوانات ما قبل التاريخ التي انتشلت بقاياها من آبار قطران في كاليفورنيا تُسمى آبار (لا بريا).

  مُترجم عن: 
13 Historical Inspirations for Game of Thrones


المقال المُعدل:

https://goo.gl/h572hD 

ترجمة: محمد أحمد العشيري