هل سيَحِل الذكاء الصِناعيّ جميع مشكلاتنا؟



يَجتاحُ جنون الذكاء الصِناعيّ العالم؛ أخبارٌ رنانة تنتشر كالنار في الهشيم عن قدراته على علاج الأمراض ورفع مستويات الابتكار والإبداع البشريَّين. فقط ألقِ نظرة عابرة على عناوين الأخبار، وستظنُّنا نحيا في زمن تَغلغلَ فيه الذكاء الصِناعيّ في جميع جوانب الحياة.
بلا ريب، أتاح الذكاء الصِناعيّ فيضًا من الفرص الواعدة، وأدى إلى ظهور مفهوم يسمى "حَصَافَةُ الذكاء الصِناعيّ"، وهو ذلك الاعتقاد القائل بأن خوارزميات التَّعَلُّم الآلي تستطيع حل جميع مشكلات البشرية، إذا ما غُذِّيَت بالقدر الكافي من البيانات. بيدَ أن ذلك المفهوم ينطوي على مشكلة جسيمة، فهو يضعُ قيمةَ الذكاء الصِناعيّ في مهبِ الريح بدلًا من دعم تطوره، بسبب إهماله مبادئ حماية الذكاء الصِناعيّ الهامة، ووضع توقعات غير واقعية عمَّا يستطيع الذكاء الصِناعيّ تقديمه للبشرية.

 

حَصَافَةُ الذكاء الصِناعيّ

في سنوات معدودات، شَقَّ مفهوم "حَصَافَةُ الذكاء الصِناعيّ" طريقهُ من أفواه مُرَوِّجيّ التقنية في "سيليكون ڤالي" (وهي منطقة بولاية كاليفورنيا اشتُهِرَت بالشركات التقنية) إلى عقول مسؤولي الحكومات وصانعي السياسات حول العالم؛ مستبدلين هاجس هلاك البشرية على يد الذكاء الصِناعيّ بمعتقد مثالي يُعلِنُ مجيء منقذنا الرقمي.
نرى اليوم حكومات تتعهد بدعم مبادرات الذكاء الصِناعيّ الوطنية، وتتبارى في سباق التسلح التقني والبياني للهيمنة على قطاع تَعَلُّم الآلة الواعد. على سبيل المثال، التزمت حكومة المملكة المتحدة باستثمار 300 مليون جنيه إسترليني في أبحاث الذكاء الصِناعيّ لتضمن مكانة رائدة في هذا المجال. كما يَعِد الرئيس الفرنسي "إمانويل ماكرون"، الشغوف بالتطور المُتوقَّع للذكاء الصِناعيّ، بجعل بلاده مركزًا عالميًا للذكاء الصِناعيّ، في الوقت الذي ترفع فيه الحكومة الصينية قدراتها في هذا المجال بخطة وطنية تَهدُف لامتلاك صناعة ذكاء صِناعيّ صينية تقدر قيمتها بـ 150 مليار دولار أمريكي بحلول العام 2030.
يعلو نجم مفهوم "حَصَافَةُ الذكاء الصِناعيّ"، ويخطو نحو البقاء.

 

الشبكات العصبية الصِناعيَّة - القول أيسر من الفعل

تصف تصريحات سياسية عديدة الآثار المترتبة على قيام "ثورة ذكاء صِناعيّ" تلوح في الأفق، بينما تتجه تصريحات أخرى نحو الاستهانة بتعقيدات انتشار أنظمة التَّعَلُّم الآلي المتطورة في عالمنا. فبين تقنيات الذكاء الصِناعيّ، نجد تقنية واعدة تسمى الشبكات العصبية، وهي تقنية تَعَلُّم آلي مُستوحاة من التكوين العصبي للمخ البشري، ولكن بمقياس أصغر بكثير، وتَعتَمِد عليها تطبيقات ذكاء صِناعيّ عديدة من أجل استخلاص الأنماط والقواعد من كميات كبيرة من البيانات. لكن يجهلُ الكثير من الساسة حقيقةَ أن مجرد الاستعانة بشبكة عصبية صِناعيَّة في مشكلة ما، لا يعني إيجاد حل لها، فالاستعانة بشبكة عصبية صِناعيَّة في عملية ديموقراطية، لا يعني أنها ستصبح تلقائيًا عملية أكثر شمولًا وعدلًا واختصاصًا.

 

مغالبةُ بيروقراطية البيانات

تحتاج أنظمة الذكاء الصِناعيّ لكمٍ كبير من البيانات كي تعمل، لكن القطاع العام إجمالًا ليس لديه بِنية بيانية أساسية سليمة لإمداد أنظمة تَعَلُّم آلي متطورة، وأغلب البيانات لا تزال محفوظة في سِجلات ورقية. أما مصادر البيانات الرقمية القليلة، يَغلُبُ أن تكون حبيسة سراديب البيروقراطية. في الأغلب، تحتاج البيانات المتنقلة بين قطاعات الحكومة المختلفة إلى أذونات خاصة للولوج إليها. وقبل كل ذلك، يفتقر القطاع العام إلى العامل البشري ذي القدرات التقنية المُناسبة لجني ما يملكه الذكاء من فوائد.
لهذه الأسباب، جذب الجدل المُثار حول الذكاء الصِناعيّ العديد من النُقاد. لدى "ستيوارت روسيل"، أستاذ علوم الحاسوب بجامعة "كاليفورنيا بيركلي"، نهجٌ واقعي يُركِز على الاستخدامات اليومية البسيطة للذكاء الصِناعيّ، عوضًا عن التركيز على فرضيات احتلال الآليِّين فائقي الذكاء لنا. وبالمثل، يقول "رودني بروكس"، أستاذ علوم الآليِّين بمعهد "ماستشوستس" للتقنية: «لا تزال الغالبية العظمى من الابتكارات في مجالي علوم الآليِّين والذكاء الصِناعيّ تحتاج لوقت طويل جدًا قبل أن تُستخدم على نطاق واسع، وقت أطول مما يتخيله العاملون بالمجال، فضلًا عمن هم بخارجه».
إحدى أشد الصعوبات في انتشار أنظمة التَّعَلُّم الآلي هي أن الذكاء الصِناعيّ مُعرَض بشدة إلى هجمات تدميرية، حيث يستطيع نظام ذكاء صِناعيّ خبيث استهداف نظام آخر وإجبارهِ على بناء توقعات خاطئة أو التصرف بشكل بعينه. ولقد حذر العديد من الباحثين من نشر أنظمة الذكاء الصِناعيّ دون معايير تأمين وآليات دفاع مناسبة. ولا تزال قضية تأمين الذكاء الصِناعيّ قضية مُهملة.

 

التَّعَلُّم الآلي ليس سحرًا

إذا شرعنا في حصد منافع الذكاء الصِناعيّ وتقليل أضراره المُحتملة، علينا التفكير بشأن إمكانية تطبيق التَّعَلُّم الآلي بفعالية في جوانب معينة بالمجتمع والحكومات وقطاع الأعمال، أي أن علينا مناقشة أخلاقيات الذكاء الصِناعيّ، وتناول قلق العديد من الناس تجاه التَّعَلُّم الآلي. 
والأهم من ذلك، هو حاجتنا لإدراك حدود الذكاء الصِناعيّ ومتى يجب علينا حمل لواء القيادة عنه. فبدلًا من نسج صورة زائفة عن قدرة الذكاء الصِناعيّ، من الضروري اتخاذ خطوة للوراء والتفرقة بين قدرات الذكاء الصِناعيّ التقنية الفعلية، وبين السحر.
اعتقد موقع فيسبوك لوقت طويل أن مشكلات كانتشار المعلومات المُضلِّلَة وخطاب الكراهية يمكن أن تُمَيَّز وتُمنَع باستخدام الخوارزميات. ولكن بفعل الضغط الذي يمارسه المشرعون حاليًا، تعهدت الشركة أن تستبدل خوارزمياتها بحشد من المراجعين قوامه 10000 مراجع.
ثم جاء الدور على المهن الطبية، التي أدركَت هي الأُخرى أن الذكاء الصِناعيّ ليس حلًا لجميع المشكلات، فبرنامج "واتسون" للأورام كان قائمًا على الذكاء الصِناعيّ، وصُمِّمَ كي يساعد الأطباء في مكافحة مرض السرطان. وبالرغم من تطويره خصيصًا لتقديم أفضل توصيات، إلا أن الخبراء واجهوا صعوبة في وضع ثقتهم به. كنتيجة لذلك، تُرِكَ برنامج الذكاء الصِناعيّ ذلك في أغلب المستشفيات التي جُرِبَ فيها.
كما واجه المجال القانوني مشكلات مشابهة عندما استُخدِمت الخوارزميات في محاكم الولايات المتحدة لمحاكمة المجرمين. كانت مهمة الخوارزميات هي حساب معدلات الخطر وإرشاد القضاة إلى الحكم. إلا أن النظام كان مُبَالِغًا في التفريق العُنصري الهيكلي، وسُرعان ما أُلغِيَ.
توضح هذه الأمثلة كيف أن الذكاء الصِناعيّ ليس حلًا لكل شيء، وأن استخدام الذكاء الصِناعيّ لمجرد الرغبة في استخدامه لن يكون دائمًا مُنتِجًا أو فعالًا، كما أن إسناد جميع المشكلات إلى ذكاء الآلة ليس دائمًا الخيار الأمثل. لذا، يتحتم على كل من يرغب بضخ استثماراته في برامج الذكاء الصِناعيّ الوطنية إدراك أن لكل حلٍ ثمن، وأن ليس علينا ميكنة كل ما يمكن ميكنته.

------------
ترجمهُ إلى العربية: محمد العشيري
عن مقال "فياتشيسلاف بولونسكي" Why AI can’t solve everything